رحلة ”إيمان وسناء وسارة” من مكتب التنسيق إلى ”منصوراصورس”
الأكثر مشاهدة
إيمان منير - ندى بديوي
في جنوب صحراء مصر الغربية خيمت أربع شابات وأستاذهن الجامعي، هم قوام فريق مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، ظلوا يواصلون الليل والنهار في عمل شديد الدقة والصعوبة، وتلفهم طبيعة قاحلة من جميع الجهات، يفترشون رمالها ويلتحفون في منامهم بالسماء الفسيحة، كل ذلك من أجل أن تجود الأرض بأحد أسرارها، وتخرج جزءًا مما هو كامن فيها، لتساعد البشرية بخطوة جديدة لفك أحجية تاريخ الكوكب العظيم، وهو ما تحقق باكتشاف حفريات الديناصور "منصوراصورس"، الذي يعد اكتشافًا فريدًا يضيف لسجل مصر الأحفوري..
البداية
فتيات يجمعهن القسم العلمي بالثانوية العامة، لكل منهن طريق مختلف رسمته لحلمها الجامعي، فحين كانت "إيمان عبد العزيز" تسجل رغبات الالتحاق بالجامعة، حلمت بـ"البالطو" الأبيض وسماعة الطبيب، ولم تدر أن القدر سيختار لها كلية العلوم التي وضعتها "سد خانة" في قائمة الرغبات، ولا توقعت أن المكان الذي ستخطوه مرغمة يحمل انطلاقتها العلمية التي لم تمر بخاطرها حتى في أكثر أحلامها جموحًا.
على العكس كانت "سناء السيد"، التي عسكرت في أيامها المدرسية بالمكتبة، تقضي وقتها منهمكة في قراءة كتب الفلك والجيولوجيا، وتهيم بخيالها بين النجوم، وتتعمق في طبقات الأرض، لذلك أصرت على كلية العلوم حين كان مجموعها يؤهلها لدخول الصيدلة.
الجامعة
استمرت رؤية "سناء" لمستقبلها الجامعي واضحة، وبتأثير من شغفها اختارت قسم الجيولوجيا بجامعة المنصورة، في حين لم تكن بداية "إيمان" مماثلة، فقد انضمت لقسم الكيمياء، ثم أثارت الجيولوجيا فضولها بالصدفة، فقدمت 3 طلبات تحويل إلى القسم الأقل في ترتيب أقسام الكلية، لتلق الفتاتان بمعمل الكلية، وتتكون الصداقة.
وعام 2010 كان طلاب القسم يتحدثون عن أستاذ يدعى "هشام سلام" عائد لتوه من الدراسة بجامعة "أوكسفورد" البريطانية، يتناقلون ريادته في مجال الحفريات وشغفه بها، ويتحاكون بطريقته المختلفة في التدريس، وما أن حضرت الطالبتان للأستاذ حتى أخذتهن الحفريات وقدرن أهميتها لمستقبل الإنسانية، الذي لن يأت إلا بفهم ماضيها.
وعلى بعد كيلومترات جنوب مصر وتحديدًا بجامعة أسيوط، كانت "سارة صابر" تنضم لقسم الجيولوجيا لتميزه عن كافة أقسام الكلية التي لم تخترها، وتتنقل بين المحاضرات والمكتبة من الثامنة صباحًا حتى الثامنة مساءً بشكل يومي، في محاولة للتفوق تتحدى بُعد المسافة بين قريتها والمدينة، وأيام الشتاء العاصفة، وصعوبة التخصص.
المعمل
أعارت "إيمان" و"سناء" اهتمامًا كبيرًا لمحاضرات "دكتور هشام"، وتواصلن معه بشكل يومي ليستزدن من علمه، واستطاع شغفه للحفريات أن يأسر عقولهن، لذلك حلمن بمشاركته الاستكشاف والتنقيب في تاريخ الأرض، وحاولن أن يثبتن له قدرتهن على العمل والتحمل، فوقفن بجواره في المعمل ساعات طويلة يوميًا، وأكملن الشرح والمراجعة في بيوتهن عبر برنامج "سكايب"، إلى أن اقتنع الأستاذ ووافق على تكوين فريق بحثي يصبحن ضمن أعضاءه، ليدربه على مواجهة الصحراء، والولوج في طبقات أرضها.
التحدي
بدأت الزيارات الكشفية للفريق بمنطقة "وادي الحيتان" بالفيوم، وحازت الشابات رضا الأهل بعدما اختبرن الأستاذ الجامعي وكونت عائلتهن فكرة جيدة عنه، وشرعوا في التخييم بمناطق صحراوية تفتقر وسائل الاتصال كما أساسيات الحياة، وهناك تحقق الدكتور "هشام" من قدرتهن على تحمل صعوبة العمل ومواجهة الصحراء، مما شجعه على إشاركهن بخطته للبحث عن الديناصورات في الطبقات الرسوبية المصرية بجنوب الصحراء الغربية، والتي يعود تكونها للعصر الطباشيري المتأخر قبل نحو 70 مليون سنة.
التخصص
تخرجت "سناء" وترتيبها الأولى على الدفعة، وتم تعيينها معيدة بقسم الجيولوجيا، بالإضافة لعملها بمركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية تحت إشراف الدكتور "هشام" وبصحبة "إيمان" التي جاء ترتيبها الثالثة بنفس الدفعة.
وبجامعة أسيوط، أتمت "سارة" دراستها الجامعية في المركز الأول، وأصبحت معيدة هي الأخرى، ورتبت الأقدار انضمامها لباحثات مركز المنصورة وأستاذهن المسؤول، بعدما اختارت الحفريات الفقارية موضوع لدراساتها العليا، فأصبحت جزءًا من المركز البحثي الوحيد المتخصص بهذا المجال في مصر.
البحث
على بعد 700 كليومترًا جنوب غرب القاهرة، خيم الفريق في ديسمبر 2013 بالواحات الداخلة، ووجدوا عينات نادرة داعبت تشوقهم لمزيد مما تحتفظ به الأرض، وقتها كانوا يبيتون ليلهم في أحد فنادق المنطقة، لكنهم أقلعوا عن ذلك حينما عادوا لمنطقة العمل واكتشفوا أن بعض الجهلاء قد عبثوا بالعينات وحطموها ظنًا منهم أنها آثار، ففضلوا افتراش الرمال ومواجهة حيوانات الصحراء على ضياع جهدهم هباءً، إلى أن جاءت لحظتهم المميزة حينما عثروا على أول عظمة للديناصور، فقرروا العودة للمنصورة وإحضار مزيد من المعدات.
مرة أخرى أقنعت الباحثات أهلهن بالتخييم في الصحراء لفترة أطول، واحتمين بدعم آبائهن أمام انتقادات العائلة وجهل المحيطين، وتسلحن بقدر كبير من اللامبالاة تجاه التعليقات السلبية خصوصًا التي تلمح للزواج وانعدام أهمية ما يقمن به مقارنة بـ"الفستان الأبيض".
وفى فبراير ٢٠١٤ عاد الفريق للموقع، وقضوا 21 يومًا في البحث، تحملوا صعوبة العمل مع المعدات الثقيلة ولم يعتمدوا على العمال خوفًا على العينات الثمينة، ومع كل استخراج لعظمة جديدة من نفس الديناصور، كانت صرخات الفرح تعم المكان وتنسيهم كل أصناف التعب الذي واجهوه.
النشر
قضي الفريق 4 سنوات من العمل البحثي الموسّع على عظام الديناصور، واستعانوا بخبرة فريق بحثي أمريكي خبير بالمجال، فوجدوا رابط بين الديناصور المكتشف وأحد الديناصورات الأوروبية، مما يدلل على وجود طريق ربط بين أوروبا وإفريقيا في العصور السحيقة.
وفي 29 يناير 2018، أعلن فريق مركز المنصورة للحفريات الفقارية عن اكتشافهم لديناصور بطول 10 أمتار وارتفاع مترين ويزن 5 أطنان، أسموه "منصوراصورس" تيمنًا بالجامعة التي مولت المشروع.
وتناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر الكشف الجديد، وسجلت أهم المجلات العلمية أسماء الباحثات "سناء السيد"، و"إيمان عبد العزيز"، و"سارة صابر"، و"مي الأمير" وأستاذهن "هشام سلام" بجوار واحد من أهم اكتشافات البشرية في التاريخ الطبيعي، وحاليًا تطمح الباحثات أن يتم تأسيس متحف مختص بالحفريات في مصر كما العالم.
الكاتب
احكي
السبت ٠٣ فبراير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا